الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)
.الفصل السادس والثلاثون: أيها المغتر كم خدعت، ما واصل وصلها محب إلا قطعت، ولا ناولت نوالًا إلا ارتجفت، اختبأت مريرها فلما اعتقلت أسيرها جرعت، متى رأيتها قد توطنت فاعلم أنها قد أزمعت.إلى متى في طلبها؟، إلى كم الاغترار بها؟، تدور البلاد منشدًا ضالة المنى، وتلك ضالة لا توجد أبدًا، فسيقتلك الحرص غريبًا ولكن لا في فيافي (فيا طوبى للغرباء). أيها المتعب نفسه في جمع المال، عقاب الوارث على مرقب الانتظار، أفهمت أم أشرح لك؟، العقاب لا تعاني الصيد وإنما تكون على موضع عال، فأي طائر صاد صيدًا انقضت عليه فإذا رآها هرب وترك الصيد، ومالك تجمع مالك؟ ومالك منه إلا ما تخلف، والزمان يشتك للذهاب وأنت للإذهاب تؤلف، المال إذا وصل إلى الكرام عابر سبيل وإكرام عابر السبيل تجهيزه للرحيل، جسم البخيل كله يعرق إلا اليد كفه مكفوفة ما ينفق منها خرزة. يا فرعوني الكبر تفرح بمال سيسلب منك، فتستعير كلمة {أليس لي} يا نمروذي الجهل، تشد أطناب الحيل على الدنيا في أرجل نسور الأمل ثم ترمي نشاب الأغراض، إن وقف لك غرض فتستغيث الأكوان من يدك {وإن كان مكرهم} من فهم علم التوحيد، تجرد للواحد بقطع العلائق، أما ترى كلمتي الشهادة مجردة عن نقط. إذا أعرضت عن الدنيا أقبلت إليك الآخرة، من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، عقر سليمان الخيل {فسخّرنا لهُ الريحَ}، لما عقدت الخنصر على التوحيد ميزت على باقي الأصابع بالخاتم.يا أطفال التوبة ما أنكر حنينكم إلى الرضاع، ولكن ذوقوا مطاعم الرجال وقد نسيتم شرب اللبن، إذا تحصن الهوى بقلعة الطبع فانصبوا مجانيق العزائم وقد انهدم السور، أنتم تخرجون لقتل سبع ما أذاكم. ليقال عن أحدكم ما أجلده، فكيف تتركون سبع الهوى وقد أغار على سرح القلوب؟ إنما تتحف الملوك بالباكورة. فافهموا يا صبيان التوبة إذا أهديتم فالرطب لا الحشف. يا أطيار الشباب، إما عبادان التعبد وإلا استفراخ العلم وإلا فالذبح، تريدون نيل الشهوات وحصول المراتب، والجمع بين الأضداد لا يمكن. ما زلت أعالج مسمار الهوى. في قلب العاصي، أميل به تارة إلى جانب التخويف، وتارة إلى ناحية التشويق، فلما ضعف الماسك بإزعاجي له، اتسع عليه المجال فجذبته، أنفت لصبي اللعب من بيع جوهر العمر النفيس بصدف الهوى، فشددت عليه في الحجر ليعلم بعد البلوغ {أنِّي لمْ أَخُنْهُ بالغيب}. .الفصل السابع والثلاثون: أخواني! جدوا فقد سبقتكم، واستعدوا فقد لحقتم، وانظروا بماذا من الهوى علقتم؟، ولا تغفلوا عما له خلقتم، ذهبت الأيام وما أطعتم، وكتبت الآثام وما أصغيتم، وكأنكم بالصادقين قد وصلوا وانقطعتم، أهذا التوبيخ لغيركم أو ما قد سمعتم؟ لصردر:آهٍ على زمانٍ فاتن وعلى قلب حي مات، كيف الطمع فيما مضى؟ هيهات، ردًا على ليالي التي سلفت أين الزمان الذي بان؟ أتراه بان، أين القلب الصافي؟ كان وكان. يا من كان له قلب فانقلب، قيام السحر يستوحش لك، صيام النهار يسأل عنك، ليالي الوصال تعاتبك. يا من كان قريبًا فطرد، يا من كان مشاهدًا فحجب، يا عزيزي ما ألفت الشقاء، فكيف تصبر؟ أصعب الفقر ما كان بعد الغنى. وأوحش الذل ما كان بعد العز وأشدهما على الكبر. يا هذا بت بيت الأحزان من قبل البيات، وثب إلى المثيب وثبة ثبات، ولا تجاوز الجناب ودر حول الدار، واستقبل قبلة التضرع وقل في الأسحار: يا من فقد قلبه وعدم التحيل في طلبه، تنفس من كرب الوجد فبريد اللطف يحمل الملطفات، ريح الأسحار ركابي الرسائل، ونسيم الفجر ترجمان الجواب.للمهيار: أخواني، صعداء الأنفاس واصل لا يمنع، لسان الدمع أفصح من لسان الشكوى، شجو التائب يطرب سمع الرضا، حزن النادم يسر قلب التعبد، قلق المسكين محبوب الرحمة، آسى من أسا فرح العفو، بكاء المفرط يضحك سن القبول، دمع المحزون مخزون لخزانة الخاص، ريح نفس آسف أطيب من ند ند، قطرة من الدمع على الخد أنفع من ألف مطرة على الأرض: يا دائرة الشقاء أين أوّلك؟ يا أرض التيه متى آخرك؟ يا أيوب البلاء إلى كم على الكناسة؟ متى ينسخ الزمن؟ زمن {اركض}: تعلق بالليل فهو شفيع مشفع، تمسك بالبكاء فهو رفيق صالح، ادخل في زمرة المتهجدين على وجه التطفل في فلوات الخلوات بلسان التذلل: أبواب الملوك لا تطرق بالأيدي ولا بالحجارة بل بنفس محتاج: للمهيار: يا هذا، إذا رأيت نفسك متخيلة لا مع المحبين ولا مع التائبين فابسط رماد الأسف واجلس مع رفيق اللهف وابعث رسالة القلق مع بريد الصعداء لعله يأتي بالجواب بكشف الجوى: نيران الخوف في قلوب التائبين ما تخبو، وقلق المذنبين مما جنوا لا يسكن، وضجيج المحبين في جيوش الشوق ما يفتر:
|